دسمان نيوز – نقلا عن الراي- بقلم: عبدالله محمد العفاسي – من زار بريطانيا أخيراً سيشعر أن شيئاً ما تغير في إجراءات المملكة المتحدة في استقبال غير المقيمين على أراضيها، حيث يلاحظ بسهولة اختلافاً كبيراً في التسهيلات الإجرائية المقدمة.
وعالمياً ليست بريطانيا الدولة الغربية الوحيدة في ذلك، فرغم الصورة الذهنية عن تشدد الدول المتقدمة في التعامل مع غير مواطنيها إلا أنها بدأت أخيراً في توفير بيئة خصبة للكفاءات وللسياح خصوصاً بعد جائحة كورونا، باعتبارهما ركيزة للتنمية ولاستقطاب مزيد من تدفقات الأموال الخارجية لأسواقها.
وخليجياً، اعتمدت السعودية في الفترة الأخيرة خطوة جديدة تهدف إلى تمكين جميع المقيمين في دول الخليج بتقديم طلب الحصول على تأشيرة الزيارة لغرض السياحة إلكترونياً، والتي تمكن الأفراد من زيارة مناطق المملكة المختلفة وأداء مناسك العمرة، حيث تم التوسع في اعتماد جميع مهن المقيمين في دول الخليج.
وتأتي خطوة السماح للراغبين في الدخول إلى السعودية، دون اشتراط مهن محددة، ضمن جهود المملكة لإتاحة الفرصة لجميع المقيمين في دول الخليج للاستمتاع بالوجهات السياحية، والمشاركة في الفعاليات السياحية والترفيهية.
وعملياً، فتحت التسهيلات التي تقدمها الدول الغربية والسعودية والإمارات والبحرين وقطر الباب أمام حركة هجرة قوية تستهدف انتقال الشباب والمفكرين وأصحاب الطاقات المتميزة والمستثمرين من مسقط رأسهم الفقير بالفرص إليها وهذا ما تفتقد الكويت فهم أهميته.
فمقابل هذا الحراك الواسع في التعامل مع غير المواطنين، لا يزال الحديث محلياً مفتوحاً ومنذ سنوات حول معالجة التركيبة السكانية، للدرجة التي تنامت فيها ظاهرة العدائية ضد الوافدين الطالحين منهم والصالحين، ما يجعل السؤال مشروعاً: لماذا يكره الكويتيون الوافدين رغم أنهم باتوا محل ترحيب في دول الجوار؟
وإذا كان العقل الجماعي الكويتي يتفق على أهمية معالجة التركيبة السكانية إلا أن الخلاف الرئيس يرتكز على آلية الحكومة في طرح المعالجات وتنفيذها، والتي تعكس حتى الآن مجرد خطط غير مدروسة وللاستهلاك الإعلامي.
وهنا تستحق المحاكاة بين حكومة الكويت من جهة وحكومات الأشقاء في السعودية والإمارات والبحرين وقطر والتي خطت جميعها باستثناء الكويت خطوات قوية باتجاه استقطاب أصحاب العقول والابداع ورؤوس الأموال، وإلى ذلك أحدثت نقلة نوعية مقارنة بالكويت في تحسين بيئة أعمالها لزيادة التدفقات الأجنبية إليها والكفاءات الوافدة، فمنحت العديد من تسهيلات الإقامة ومن صور ذلك الإقامة الذهبية وحوكمة العلاقة بين رب العمل والعامل.
وعودة إلى المربع الأول، وهي الكويت، ومقاربتها بسلوك الدول الخليجية في التعامل مع غير مواطنيها تستحق الإشارة إلى أهمية تغيير طريقة تعاملها مع ملف الوافدين.
وهذا يتطلب أولاً فهم أهمية التفريق بين نوعية الوافد الذي تحتاجه الكويت لتنفيذ تنميتها المستهدفة والعمالة غير المطلوبة التي باتت تشكل عبئاً مكلفاً دون أن ننسى ضرورة اتخاذ إجراءات فعالة في محاربة تجار الإقامة الذين يعتبرون الخط الأول في ضمان استمرار تخريب التركيبة السكانية.
أما الحديث عن تعديل التركيبة السكانية رقمياً من قبيل 30/70، وغيرها من المقترحات غير المدروسة وعدم الجدية في القضاء على تجارة الإقامات نكون أشبه بمن يقوم بحراك عبثي في معالجة مشاكله المزمنة حيث لا نتيجة تذكر للأمام.
وهنا يتعين عدم تفادي حقيقة أن تحقيق أي تنمية للكويت وفقاً لرؤيتها 2035، يتطلب زيادة منسوب العمالة الوافدة وهذا ليس تقليلاً من قدرة الكويت بل انسجام مع واقع متطلبات تنفيذ المشاريع المستهدفة الضخمة والتي تتطلب عملياً المزيد من الشركاء الحقيقيين في صناعة التنمية.
كل هذه المعطيات والأمور تتطلب أن يكون استقطاب العقول والكفاءات غير الكويتية وكذلك رؤوس الأموال عملية مُنظّمة، وهذا ما تقوم به كل حكومات العالم المتطورة كخطوة أولى في سعيها الحقيقي للتفوق والنجاح.
الخلاصة:
من الناحية العامة ولفهم معنى استقطاب العقول والأموال لا بد من معرفة ما يُطلق عليه هجرة الأدمغة أو هجرة العقول والأموال، وهو مصطلح يطلق على هجرة العلماء والمتخصصين في مختلف فروع العلم والعمل والمستثمرين الذين يرجى منهم تقديم قيمة مضافة للدولة.
ومن الواضح أن التحرك نحو زيادة الحجم السكاني الانتقائي سيشهد تنافساً قوياً الفترة المقبلة بين الدول التي تسعى إلى تعظيم اقتصادها بخطوات تضمن زيادة الاستثمارات بأراضيها وأوجه الصرف الأجنبي محلياً فضلاً عن رفع مستوى العطاء من العمالة الوافدة.
وهذا يستدعي توفير بيئة عمل مُنتِجة وسهلة وكذلك توفير جميع الميزات المادية والمعنوية المطلوبة من قِبل أصحاب العقول والمبدعين وأصحاب الأموال من خلال طرح مشاريع مستقطبة وفرص تغذي أوجه الصرف من غير الكويتيين لقبول فكرة زيادة الانفاق والاستثمار.
ونتيجة حتمية لذلك، سيتحقق التغيير المطلوب وهو رفع كفاءة منظومة العمل المحلية والاستثمارية، علاوة على التمكن من القفز على إشكالية الهجرة العكسية للأموال من الداخل للخارج بدلاً من العكس، وهي الإشكالية التي تدفع البعض وبتفكير عاطفي إلى تبني شعار اطردوا الوافدين من الكويت وكأنهم المسؤولون عن جميع المشاكل التي تواجه الكويت وتأخر تنميتها