دسمان نيوز – الانباء بقلم : يوسف عبدالرحمن
عوَّدت نفسي في الحياة ألا أنظر إلى موطئ قدمي، وإنما إلى الأفق البعيد ما أتعبني!

لي وقفة تفصيلية لأحداث الخميس الماضي وما حصل فيه من تفجيرات هزت كابول العاصمة على يد تنظيم خراسان!
كتبت في 2018/1/29 مقالا بعنوان: «خراسان.. المغول الجدد!»
وحذرت في هذا المقال من أن هناك تنظيما شُكِّل في الخفاء يخلف تنظيم داعش، وأرجعت أصوله إلى «المغول الجدد»!
وفي السياق نفسه كتبت عن تحول (بوكو حرام) إلى داعش وقد تحولوا، وفي كل هذه الكتابات المدونة بالتواريخ يأتي (قارئ صفيق) يتهمك بما ليس فيك لأنه بالأساس يحمل اسما متواريا مستعارا وعقلا طائشا لا يفهم، أحادي الرأي يفرض ما يريده هو بعيدا عن الحقيقة للأسف، وكنت قادرا على الرد، لكن اليوم ردي أبلغ!
عندنا ناس عندهم كل صاحب لحية إرهابي ومنتمٍ إلى حزب، وهذا انطباع غير صحيح وخاطئ ومدمر.
ما يحدث اليوم في المشهد الأفغاني يحتاج إلى (محللين حقيقيين) لأنه فوق مستوى (الأُناس) الذين لم يقرأوا عن هذه التنظيمات السرية التي تخرج من (رحم قوى خفية) لتمارس دورا إرهابيا وسرعان ما تذوب أو تختفي في طي الأحداث! كما تحتاج إلى قارئ يلزم الصمت إذا كان غير فاهم لما يجري!
خراسان اليوم لن يكون في (عباءة) طالبان، وإنما ستحركه قوى خفية وإقليمية، وأنا هنا لا أتكلم عن (خراسان العصر العباسي) لكن الاسم جاذب لمحتواه، وما البقعة التي ينطلق منها ليشق (عصا جماعة المسلمين) ويستبيح دماءهم ويفتي بتكفيرهم!
إنه تنظيم هلامي خفي مستتر خرج من رحم (داعش) ويحمل جيناته!
ويحتاج إلى فرص كي يتمدد، ولن يجد له أفضل من أفغانستان، اللهم إلا إذا تكاتف الجميع لمحاربته!

لقد ولدت داعش من رحم القاعدة ويفرز لها مولود جديد اليوم اسمه (خراسان) وهذا ما يذكرني بالتاريخ، ومن لا يعرف التاريخ لا يعرف أصول الأحداث، فقبل 1200 سنة تقريبا ظهر الخراسانيون في بغداد وفعلوا ما فعلوا، واليوم ظهر هذا التنظيم من جديد يحمل (خلافتهم المزعومة)!
منذ عام 2018 وأنا أكتب عن هذا التنظيم وأرى الحل في (الحوار الفكري) مع مثل هذه التنظيمات وإحياء (الوسطية) من جديد لتعرية التكفير والتكفيريين!
لم أُفاجأ كغيري من الإعلاميين المتابعين والمتخصصين من تنفيذ (خراسان) الهجوم على مطار كابول!
لقد أسفر هذا الهجوم عن سقوط عشرات الضحايا بينهم قتلى من (المارينز)، وقد حذرت الحكومة (البريطانية والأميركية) من هجوم «إرهابي خطير ووشيك» وبالفعل وقع انفجاران كبيران، الأول عند البوابة الرئيسية لمطار حامد كرزاي، وآخر عند فندق بارون القريب منها.
المشهد الآن هو أن هناك تقاربا باكستانيا – صينيا، وتقاربا هنديا ـ تركيا ـ أفغانيا يلوح في الأفق، فيما تسعى السعودية لاحتواء الوضع الأفغاني عاجلا غير آجل خاصة أن إيران سيكون لها دور محوري، بينما روسيا ستبارك أي اتفاق يبعد دول آسيا الوسطى عن تحريك المارد من قمقمه!
٭ ومضة: هذا النشاط الجديد لتنظيم ولاية خراسان من المحتمل جدا أن يواصل دوره المرسوم له على نطاق واسع عبر أفغانستان التي تعج بمختلف شتى صنوف الأسلحة الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وهم يملكون (إرثا) إرهابيا موثقا ومجربا في الهجمات الانتحارية بالأفراد والسيارات وغيرها من الوسائل، والتي قد لا تخطر على بال!
كلنا نذكر أنه في عام 2014 أعلن أعضاء سابقون في (حركة طالبان باكستان) أن ولاءهم لزعيم الجماعة أبوبكر البغدادي، وفي عام 2015 اعترف تنظيم الدولة بإنشاء ولاية له في خراسان!
أفغانستان اليوم بين نارين، بقايا فلول الشمال المنهزمة ومخلفات الشيشان وحروب آسيا الوسطى والمرتزقة!
معلوم أن مسمى خراسان هو الاسم القديم الذي يُطلق على مناطق تضم أجزاء من أفغانستان – باكستان – إيران – وآسيا الوسطى!
هذا التنظيم له تواجد منذ ذاك التاريخ في منطقة كونار في شرق أفغانستان، وهناك أكثر من مقطع في فيديو (تعلن فيه جماعة خراسان) انضمامها إلى داعش.
صدر في تقرير لمجلس الأمن الدولي أن تنظيم خراسان يتراوح بين 500 وبضعة آلاف، في حين أن التقديرات تشير إلى وجود ما بين 8000 إلى 10000 مقاتل من مختلف الجنسيات، مما سيعطي (خراسان) الفرصة لضم ما تستطيع منهم إلى صفوفها!
من يعرف أفغانستان أعتقد أن (مزار شريف) في مقاطعة (يلخ) في شمال أفغانستان ستكون منطلقا لهذا التنظيم في قادمات الأيام!
٭ آخر الكلام: علينا أن نفهم حقيقة وهي أن كلا من تنظيم القاعدة أو داعش أو خراسان يسعى لإقامة (الخلافة العالمية) وليس محصورا هذا في أفغانستان، وإنما هي بداية المنطلق لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي لهم وهم يتفاخرون بالنجاح المؤقت الذي حققوه في العراق وسورية، وهذا ما يجب أن يجعل كل الأطراف مستعدة لعودة (الخلايا النائمة) والتي ستشن حملات جديدة لا تقل خطورتها عما فعلته (القاعدة أو داعش أو بوكو حرام) في العالم العربي أو أفريقيا أو أوروبا!
٭ زبدة الحچي: ما أراه أن أهم سؤال الآن هو: كيف ينظر (التنظيم الخراساني) لعودة طالبان إلى الحكم؟
هذا هو السؤال الجوهري، ولن يستطيع فرد الإجابة عنه وحده، وإنما يحتاج الأمر إلى (محللين من كل التخصصات شرعيين وحقوقيين وسياسيين) للإجابة عن هذا السؤال الخطير.
تبقى الحقيقة وهي أن تنظيم الدولة داعش والوارث تنظيم خراسان يعتبران وصول طالبان للحكم والانسحاب الأميركي أمرا في النهاية لصالحهما ومتنفسا جديدا لمزاولة نشاطهما من خلال مسمى جديد «ولاية خراسان»!
إن هجمات الخميس الماضي تنذر بوجود ثغرات في قدرة طالبان على التصدي لهم، خاصة وهم يستعدون إلى كل التحولات التي التزموا بها في اجتماعات الدوحة!.. خيار طالبان تحول إلى حزب سياسي وحياة مدنية وتبدأ بجمع الأسلحة وتفعيل قطاعات المجتمع المدني وممارسة الديموقراطية والانفتاح على العالم، وهذا خيارهم الأوحد!
أفغانستان دولة صعبة جدا في جغرافيتها وحدودها الممتدة والمشاركة للجوار في باكستان وإيران، وهناك (خبرات وخرائط لحروب العصابات) التي مورست في أفغانستان وهي مخابئ صعب الوصول إليها مثلما شاهدنا في (تورا بورا) وما يملكه أحمد مسعود نجل قائد البانشير الذي اغتيل قبيل عملية تفجير برجي التجارة في الولايات المتحدة ويملك (إرثا) كبيرا في حرب العصابات، وهذا ما سيلجأ إليه خراسان!
تنظيم القاعدة ثم داعش قاتل الحكومة الأفغانية المدعومة من أميركا والغرب، والأكيد أنهم استفادوا من الانهيار الذي حصل سريعا، وهذا يذكرنا بالجيش العراقي وكيف استفاد تنظيم داعش من تصفيته ويتكرر الآن في أفغانستان فهناك أكثر من 300 ألف جندي حكومي أين هم الآن؟ وما مصيرهم؟ ومن يستطيع تجنيدهم لمصالحه؟
تذكروا أن هناك عداء دفينا بين طالبان وتنظيم الدولة داعش والوريث خراسان!
في أمان الله..