إن إساءة استعمال السلطة باختلاف مراكزها ومناصبها ومجالاتها في الدولة هو وجه حقيقي من أوجه الفساد في الدولة وظاهرة سلوكية تمارس في البلاد في الحكومات المتعاقبة، وخلال بحثي عن السبب الرئيسي في تفشي هذا السلوك الفاسد عند أصحاب النفوذ منهم من هم محصنون وبين السلطات الإدارية في المراكز الحكومية هو عدم وجود قانون صريح وواضح يجرم سلوكهم في إساءة استعمال السلطة، ومن جانب آخر تفشي هذا السلوك بين من يشغل الوظائف العامة هو بسبب تجميد رفع الدعاوى الجزائية على المادة رقم «120» من قانون الجزاء الكويتي في بند سوء استعمال السلطة كما أشار إليه بعض المحامين.
لكن قبل أن نتطرق لصور إساءة استعمال السلطة الذي قد تعرضت لها يا قارئي العزيز أو قد شهدت عليها لنقف عند تعريفها ومفهومها، ففقهاء القانون يعرفون إساءة استعمال السلطة بأنها «قيام من تولى أمرا من أمور الأمة أو عهد إليه به بالاستفادة أو الانتفاع من عمله أو ولايته لمصلحته الشخصية أو لمصلحة قريب أو صديق أو استعمال قدرته وقوته الممنوحة له بقصد الانتقام والتشفي وفي المفهوم الجنائي فإنها تعني «جريمة الموظف العام الذي خوله النظام سلطة على الأفراد فاستعملها على غير النحو الذي حدده القانون، أو ابتغاء غرض غير ما حدده، فأهدر حقوقا يحميها القانون».
فمن الأفعال والممارسات التي يقوم بها أصحاب النفوذ سواء من المشرعين أو من القياديين في الجهاز الحكومي هو استغلال منصبهم الوظيفي في مخالفة مراسيم القوانين وقرارات الجهات الرئاسية عند فرضهم التعيينات الباراشوتية وتوظيفهم لخدمة أغراضهم وعند الترقيات والذي يلحق الأضرار بالمصلحة العامة، ويعتبر الابتزاز واستخدام التهديد وتسخير الموظفين لأجل تحقيق المصالح الخاصة من قبل المسؤول النافذ دافعا إلى ارتكاب جرائم جنائية من أجل إرضاء هذا المسؤول أو الخوف من تسلطه، ومن الأدوات الإدارية المتفشية في ظاهرة إساءة استعمال السلطة للضغط على الموظفين هو إعطاء درجة متدنية لتقويم الأداء الوظيفي وعدم ترقيته وإساءة سمعته وإحالته إلى التحقيق واستخدام العقوبات الإدارية بحقه، وفي مجال معاملة الموظفين تجد المسؤول يضيق عليهم ويجبرهم على تعظيمه وخدمته ويفرض عليهم أشياء بدون وجه حق أو يذلهم بالإهانة أو يستعبدهم في قضاء حاجاته، ومن يرفض من الموظفين طوع خدمته فإنه سوف يتعرض لتلفيق التهم، ما يؤدي إلى تعطيل الواجبات الحقيقية للوظيفة العامة وتعطيل المصلحة العامة وتفقد المواطنين ثقتهم.
لذلك فإن الكويت بحاجة ماسة إلى تشريع قانون يجرم ظاهرة فساد إساءة استعمال السلطة ويسقط الحصانة عن الجميع عند تطبيق هذا القانون على السلطة الإدارية «للوكلاء، المدراء، المراقبين، رؤساء الأقسام» وعلى السلطة السياسية «مشرع أو قيادي» وعلى السلطة القانونية لمزاولين مهنة القانون.
وإن امتنع المشرعون عن إقرار هذا القانون فهو تشجيع صريح منهم على هذا الفساد خاصة لمن يمارسه!
بسمة سعود – الشاهد