إلا السمعة بقلم : حنان بدر الرومي

دسمان نيوز – الانباء – السمعة من أهم الأمور في الحياة فهي رصيد الإنسان وهي تاجه وكنزه، وأجزم بأنها القوة الخفية التي تؤثر في علاقاتنا الاجتماعية وأعمالنا كما تبقى حتى بعد الممات فيذكر الفرد بحسن سلوكه وأعماله فإما يثنى عليه أو يذم، لذلك يجتهد البشر للظهور بالصورة المقبولة للمجتمع وبالأخلاق والفضائل النبيلة والتعامل الراقي المهذب حرصا على سمعتهم الشخصية، ولأن البشر يتميزون بالميل إلى النقد ونقد الأشخاص بالذات فيقدمون لك وبالمجان تقييمهم للشخصية ولأسلوبه في الحديث ومظهره الخارجي، وقد يدعمونها بأوصاف وتشبيهات وصفات مبالغ بها إيجابية كانت أم سلبية، ولعل أخطرها ما يؤدي إلى تشويه السمعة، خاصة إن صاحب حديثهم مشاعر دفينة من الحقد والحسد والغيرة أو الرغبة بالانتقام وهي من أشد الآفات التي ابتلينا بها.

في زمن التطور والوفرة المادية والمعيشية تقلصت مشاعر حب الجماعة سواء أكانوا أهلا أو أصدقاء وحتى الجيران وزملاء العمل وقد يكونوا من الشخصيات العامة والمعروفة سياسيا أو اقتصاديا أو إعلاميا في مقابل تزايد حب الذات إلى درجة التكريم والتقديس اللامتناهي، ووجد بعض الأفراد أنفسهم يستحقون الأفضل في كل شيء حتى وإن كانت إمكانياتهم أقل ومواهبهم محدودة وبالغوا في محاربة المتفوقين والمتميزين من أفراد المجتمع إلى درجة الكره غير المعقولة، ومع التوسع باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي تزايدت القدرة على نشر الشائعات وفبركة الأحداث والصور وإلصاق التهم والصفات والتشهير والتشكيك بالمتميزين والمتفوقين للتقليل من شأنهم ومن أعمالهم ويساعدهم في ذلك عدم كشف أسمائهم الحقيقية ولأنهم شخصيات حقودة مريضة نفسيا سادية الطباع تتلذذ بتعذيب المتميزين وإهانتهم وتجريحهم على الملأ فإنهم لا يشعرون بالذنب أبدا، بل على العكس تتملكهم مشاعر الانتصار والزهو بتحقير الناجحين وانتشار الشائعات ونفور الناس من ضحاياهم.

تشويه السمعة أصبحت مهارة يتفنن بها البعض للتنفيس عن نفوسهم المريضة فكم من شخص أسيء إليه كذبا وتم نشر أحاديث وصفات عنه لتشكيك به وهو بريء منها كأحدهم لصق به صفة الشدة المبالغ بها وهو ما يعرف بالعامية بأنه «جايد»، وإذا ذكر اسمه في أي حديث وعند أي مجلس أسرع الحساد بذكر كلمة «لا يحوشك» بمعنى اهرب منه لشدته قد تكون هذه الصفات لدى البعض بسيطة، وقد يكون الأمر عاديا ولكن هل تساءل أحدهم عن مدى صحة هذا الأمر البسيط؟ وهل حاول أحدهم التأكد من صحته أم تناقله الناس فيما بينهم وسرى بينهم كما تسري النار في الهشيم حتى أصبحت صفة لإنسان بريء منها تماما، عندما تتشوه سمعة إنسان أو عائلة وهم أبرياء منها. فماذا بالله عليكم بقي لهم؟

إن انحدار الأخلاق والقيم في المجتمع يبدأ من تناقل أحاديث غير موثقة مع دعم سوء الظن بالآخرين وتشجيع الكاذب ومؤازرته على كذبه وعدم تحري الصدق إنها مفسدة للعلاقات الإنسانية وطعن غير مباشر لقلوب بريئة وخلخة لوجودهم الاجتماعي لذلك اعتبر بعض العلماء إن تشويه سمعة الناس من أقبح الذنوب، قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أشاع على مسلم كلمة ليشينه بها بغير حق شانه الله بها في النار يوم القيامة».

يعتقد أصحاب النفوس المريضة من الحاقدين والحاسدين أنهم نجحوا وأن الدنيا مقبلة عليهم خاصة إن زادت شهرتهم وكسبوا المال وارتقوا اجتماعيا ووظيفيا وشاهدوا وسمعوا أثر إساءتهم، ولكنهم نسوا إن الدنيا لا تصفو لأحد والشواهد أمامنا عديدة فدولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة وكل أمر زائل، وعدل الله تعالى موجود فهو ولي المظلومين وسيشفى غليل المظلوم في الدنيا والآخرة، فمن عدله تعالى إنه أرخص للمظلوم أن يدعو على من ظلمه ليأمن قلبه ويرتاح، ومن يقول إن العفو عند المقدرة والسماح صفة الكرماء فليقفل فمه أمام المظلوم لأنه لم يذق حرارة النار التي سرت في قلبه وجسده أمام تشويه سمعته والتقليل من قيمته وكيانه، فالسمعة يا بشر لا تقدر بثمن.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا